كتاب الأصنام

ظهر الإسلام في بلاد العرب، فكان همه الأول تطهير ربوعها من الشرك بالله، وموكل أثر لعبادة الأصنام
والأوثان، حتى إذا فاز القائم بالدعوة إلى التوحيد، بكل ما يريد، وجمع كلمة العرب على الدين الجديد، وانتقل
عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، ارتة كثير من الأعراب إلى الحطواغيت وعباداتهم الأولى. حينئذ
تجرد لهم خليفته أبو بكر الصديق فأعادهم إلى حظيرة الإيمان.
لذلك كان المسلمون، من أهل الكم أو من أرباب العلم، يتحاشون في أول الأمر ذكر الأصنام والأوثان
القرب عهد القوم بها ولبقيتها فيهم وفي صدور الكثير منهم، لكيلا يثيروا في نفوس العامة ما ربما يكون
بها من الحمية الأولى، حمية الجاهلية، فيعود الأمر إلى الضلال القديم.
حتى إذا ما رسخت قدم الإسلام، وتولدت أركانه، وثبت بنيانه، لم يبق بعد مجال للخوف من الرجوع
إلى الشرك بالله. فلما زالت العلة وانحسمت مادة ذلك الخوف، حينئذ توفر العلماء على تلقف الروايات من
هنا ومن هنا، فجمعوا كل ما وصل إليهم من المعلومات الباقية عن تلك الديانات القديمة، كما تجردوا من
جهة أخرى لالتقاط ما بقي من أشعار الجاهلية وعاداتهم، وأحوال معيشتهم، وكل ما يتعلق بحياتهم الأدبية
والاجتماعية.
فكان محمد بن إسحاق (صاحب المغازي والسير، المتوفى في أواسط القرن الثاني للهجرة) أول من
ألم بشيء من أمر عباداتهم القديمة، ولكن كتابه في السيرة ضاع من الوجود، أو هو لا يزال مطوية في
ضمير الدهر إلى هذا العصر.
لكن ابن الكلبي (المتوفى بعد ابن إسحاق بنصف قرن تقريبا) كان أول من أفرد لهذا الموضوع سفرة
خاصة به، أسماه کتاب الأصنام.
وكان لهذا الكتاب حل وافر من عناية العلماء المحققين. وذلك أنهم تدارسوه وتناقلوه على طريقتهم
القديمة القويمة في التلقي والرواية، وثقفوا كلماته، وضبطوا رواياته، وعلقوا عليه كثيرة من الحواشي
والتفاصيل.
ومع ذلك فقد انقطع خبره، واحى أثرها إلى أن وفق الله الأستاذ أحمد زكي باشا في العثور على النسخة
الوحيدة لهذا الكتاب في العالم، فتم نشره في طبعته الأولى في القاهرة سنة 1914.