قيم الحضارة في الإسلام

هذا الكتاب
يمثل بناء الحضارات، خاصة الباذخة القوة المبهرة الأضواء منها، أبرز أشكال الحراك
الإنسائي فوق الأرض وأعظمها، لأنه يتجاوز طلب حاجات الغريزة ومطالب الجسد
في صورتها الأولية، إلى ألوان من الإنجاز تخاطب وتعبر عن أرقى ما في الإنسان
روحه وذوقه وعواطفه وعقله، كما نلحظ في إنجاز العلوم والفنون والفكر.
ولا يوجد دين ولا أيديولوجية تحمل روح التحضر كما يحملها الإسلام، فهو في ناحية
العقل يمجد العلم، ويدعو إلى التأمل والتفكر، ويرفع شأن العلماء، ويفعل وظيفتهم
في الحياة. وفي ناحية العمل يدعو إلى السعي، ويحض على الجد فيه، والضرب في
مناكب الأرض، والانتفاع بأنواع المخلوقات التي سخرها الله لعباده، ويحارب كل
أشكال الاستعباد والتسلط والطغيان.
وتمثل القيم العظيمة ضوابط كبرى تنضبط بها حركة التحضر في الرؤية الإسلامية
حيث تنطلق الطاقات العقلية والجسمية بكل قوتها في فضاء واسع ومساحات
شاسعة للإنجاز والبناء والابتكار والإبداع متجنبة أسباب العطب ودواعي الفشل.
وقد حصرت هذه الدراسة قيم الحضارة في الرؤية الإسلامية في أربع هي: التوحيد
والحرية، والعدل، والتوازن؛ اعتمادا على استقراء السنة النبوية الشريفة، وبينت
وظيفة كل قيمة منها الإيجابية والسلبية – أي في الإضافة والنفي ، كما بينت
التفاعل والتكامل بين كل قيمة وبقية القيم؛ كي تظهر كلها في صورة منظومة تامة ومتكاملة.