يبحث الدكتور “محمد سعيد رمضان البوطي” في كتابه “كبرى اليقينيات الكونية” في مسألة وجود الخالق ووظيفة المخلوق وذلك من خلال تقسيمه مباحث العقيدة إلى أربعة أقسام هي: الإلهيات والنبوات، الكونيات والغيبيات. في الإلهيات يعرض البوطي للدليل العلمي الذي يثبت وجود الخالق جل جلاله، بأسلوب يجمع بين إقناع قدامى المفكرين ومحدثيهم، ومن ثم يتحدث عن الصفات الإلهية بالتفصيل شارحاً ما يتعلق بكل منها مجيباً عن كل ما قد يرد عليها.
أما في النبوات، فيشرح المؤلف لمعنى النبي والرسول، وخصائص الأنبياء، مستفيضاً في الحديث عن ظاهرة الوحي وتحليلها وعن معنى المعجزات وحقيقتها، وموقف العقل والعلم من كل منها. أما في بحثه عن الكونيات، فيتحدث عن الإنسان والملائكة والجان وقانون السببية في الكون، وفي خضم هذا الفرع يتحدث المؤلف عن حقيقة الإنسان وقصته، كما يفصل القرآن فيهما القول، وكما ترى نظرية النشوء والتطور.
في حديثه عن الغيبيات، يبدأ المؤلف حديثه بشرح معناها، ومن ثم ينتقل إلى عدها الواحدة تلو الأخرى طبقاً للتسلسل الزمني، أي بدءاً من أشرطة الساعة، فالموت، فعذاب القبر، فالحشر، فالحساب، فالميزان، فالصراط، فالجنة والنار.
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). العقيدة أساس الإسلام، وهي تقوم على (الإيمان) بوجود الله تعالى ووحدانيته فلا مطمع في تحقيق أحكام الشريعة إلا بعد أن يكون الإيمان بالله تعالى وقد وقر في القلب وصدقه (العمل).
لقد اختار الله (الإنسان) لخلافته في الأرض، وسخر له (الكون) وسلحه بالعقل ووسائل المعرفة كي يتمكن من إدارته وعمارته، وائتمنه على هذه الوسائل فحمل (الأمانة) واضطلع بمسؤوليتها دون سائر المخلوقات، واقتضت حكمته تعالى أن يجعل من هذه الوسائل سلاحاً ذا حدين؛ يحسن استخدامه فيفلح أو يسيئه فيبوء بالخيبة والخسران، وأن يجعل الموت و(الحياة) امتحاناً يخوضه الإنسان ويكون (جزاؤه) بعده من جنس عمله إما إلى جنة وإما إلى نار.
ومن المعلوم أن عمل الإنسان فرع من (تصوره)، فعمل الإنسان إنما يكون تابعاً للصورة التي يكونها في ذهنه عن الكون والحياة.
وفي هذا الكتاب يبادر المؤلف بإيضاح منهجه للبحث لتكوين هذا التصور، كي لا يختلط العلم بالوهم ولا يلتبس اليقين بالظن، ولا يُحجب الحق بالباطل. ثم يمضي في بحثه في العقيدة من الإلهيات إلى النبوات إلى الكونيات إلى الغيبيات، مبتعداً عن التوغل في الخلافيات، وفيما فات أوانه وتجاوزه الزمن من التصورات، مفنداً ما يصادم العقيدة من الآراء والنظريات، بأسلوبه العلمي الرصين.