عني هذا الكتاب بدراسة العوامل التي كونت أسلوب السلطان في التفكير، ودراسة العوامل التي أثرت فيه، وفي أسلوب تعامله. هذا الأسلوب الذي جعله عرضة لهجوم الأدباء والشعراء في أوربا وفي أمريكا وهجوم وسائل الإعلام الغربية في الغرب والمتغربة في الشرق فضلاً عن هجوم السياسيين الغربيين عليه. وفي ذلك العهد لم تكن أوربا تخفي أنها بصدد قهر العالم الإسلامي، بقهر عبد الحميد، وكانت تصرح أنها بصدد إزالة الدولة العثمانية من التاريخ بإزالة عبد الحميد من رياسة الدولة العثمانية. وبعد القهر والإزالة يأتي التطبيع، يعني: تطبيع الشعوب التي كانت تتألف منها الدولة العثمانية بالطابع الأوروبي، وقد حدث هذا وما زال يحدث.
اتفقت بريطانيا -وكانت هي القوة العظمى- مع روسيا على عمل عسكري مشترك إسقاط السلطان عبد الحميد من على العرش، وتراجعت الدولتان. فاستعاضت بريطانيا هم ذلك بمؤامرات محلية فشلت. ثم أخذت أوربا بسياسة النفس الطويل لإسقاط السلطان، بأيدي محلية من أبناء الدولة العثمانية عقولها أوربية. ونجحت أوربا ونجحت القوى اليهودية -الصليبية المشتركة وسقط عبد الحميد- رائد الجامعة الإسلامية- من على العرش، لكنه لم يسقط من الضمير الإسلامي، ولم تسقط مكانته في التاريخ.